top of page
Newspapers

اصلاح اقتصادي وسياسي ايضا

خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل إفطار العائلة المصرية شديد الأهمية. فى الخطاب توضيح لخطة الرئيس بشأن قيادة الدولة والمجتمع فى المرحلة القادمة. فى التوجهات الرئاسية الجديدة برنامج عمل لمواجهة الضغوط الناجمة عن الأزمة الدولية السياسية والاقتصادية المركبة التى اجتمع فيها الوباء والحرب وأزمة سلاسل الإمداد والتضخم. فى الخطاب أيضا إعلان باكتمال مرحلة فى العمل الوطنى، وإيذانا بالانتقال إلى مرحلة جديدة.



قدم الرئيس كشف حساب بإنجازات المرحلة السابقة، خاصة النجاحات التى تحققت فى مكافحة الإرهاب، وزيادة معدلات النمو، وتوسيع الرقعة الزراعية، وخلق فرص العمل، وتطوير البنية التحتية. فى توجيهات الرئيس للمرحلة القادمةعديد الجوانب والإشارات التى تشمل الاقتصاد كما تشمل السياسة.

شهدت السنوات الماضية زيادة كبيرة فى الدور الاقتصادى للدولة. خرجت البلاد من فترة الاضطراب الثورى منهكة. كان من الضرورى دفع عجلة النشاط الاقتصادى، لتسريع النمو وخلق فرص عمل، فيما كانت الريبة السياسية تثير المخاوف لدى القطاع الخاص، ولا توفر ظرفا مواتيا يسمح له بالانطلاق استثمارا وإنتاجا. زيادة الدور الاقتصادى للدولة كان هو الإجابة التى تطورت تدريجيا خلال السنوات الثمانى الماضية، فزادت النفقات العامة، وزاد نصيب الاستثمارات فى النفقات العامة، وتم تطوير أساليب جديدة لتمويل الاستثمارات من خارج موازنة الدولة، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار فى الإسكان والمدن الجديدة.

كانت زيادة الدور الاقتصادى للدولة ومؤسساتها أمرا مبررا فى السياق الاقتصادى والسياسى الذى جرى فيه. بمرور الوقت تعمق الدور الاقتصادى للدولة وأصبح أكثر تعقيدا وتشابكا، حتى وصلنا إلى لحظة أصبح من الضرورى فيها إزالة الالتباس، وتصحيح الرسائل والمفاهيم الخاطئة، عبر التمييز بين الدور الضرورى الدائم للدولة فى الاقتصاد، وبين ما هو ظرفى مرتبط بسياقات معينة ينتهى بانتهائها. قدم الرئيس فى خطابه تصورا محكما للتعامل مع هذه القضية. يتكون التصور الرئاسى من عناصر ثلاثة، هى القطاع الخاص والبورصة والصناعة. تحدث الرئيس السيسى عن القطاع الخاص مرتين، وعن البورصة مرتين، وعن الصناعة ثلاث مرات.تحدث الرئيس عن مشاركة القطاع الخاص فى الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات.تحدث أيضا عن رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية تستهدف مضاعفة أحجام وأعداد الشركات المقيدة والمستثمرين المحليين والأجانب، وتحدث عن طرح حصص من شركات مملوكة للدولة، من ضمنها شركات مملوكة للقوات المسلحة قبل نهاية العام الحالى، فى البورصة؛ وعن تعزيز دور القطاع الخاص الوطنى فى توطين الصناعات، عبر حوافز فى صورة أراض بحق الانتفاع والإعفاء من الضرائب لمدة 5 سنوات، وتيسير معالجة أوضاع المتعسرين والمخالفين من القطاع الخاص الصناعي.

رؤية الرئيس للإصلاح الاقتصادى يمكن تلخيصها فى ثلاثة تحولات عميقة يبدو الاقتصاد المصرى مقدما عليها: من الإنفاق العام إلى الاستثمار الخاص، ومن البنية التحتية إلى الصناعة، ومن الاستثمار فى سندات الدين إلى الاستثمار المباشر.

انتقل الرئيس من الاقتصاد إلى السياسة، فتحدث عن الإصلاح السياسى، وربما كانت هذه هى المرة الأولى التى يرد فيها هذا التعبير فى خطاباته. قال الرئيس إن بعض الأولويات الملحة كانت تفرض تأجيل هذا الأمر، وقال إننا الآن نطلقه ونتيح الحوار والنقاش لكل القوى السياسية دون استثناء أو تمييز.

الحوار هو العنصر الأكثر تكرارا فى حديث الرئيس. وردت كلمة الحوار فى خطاب الرئيس ثمانى مرات، فى تأكيد غير مسبوق على هذا البعد. تحدث الرئيس عن حوار لدعم العمل الأهلى والمجتمعى، وعن حوار سياسى مع كل التيارات السياسية والحزبية والشبابية حول أولويات العمل الوطنى، وعن مشاركة كل القوى فى الحوار، وعن مشاركة الرئيس بنفسه فى مراحل الحوارالمتقدمة، وعن تحويل نتائج الحوار إلى تشريعات وقوانين.

تحدث الرئيس عن الحوار الوطنى باعتباره واحدا من مفردات الجمهورية الجديدة، بما يوحى أننا إزاء ما هو أكثر من حوار يبدأ وينتهى، وأننا إزاء مجال عام يتطور، يمثل الحوار المتواصل مكونا رئيسيا فيه. فمصر بلد كبير، يشهد ورشة عمل غير مسبوقة، تنتج كل يوم العشرات من الخطط والمشروعات فى كل المجالات، وفى كل هذه المجالات يوجد فى المجتمع المصرى خبرات هائلة يمكن إدماجها فى حوارات تسهم فى تعظيم العائد. هناك أيضا أصحاب مصلحة يهمهم ضمان وتأمين مصالحهم، ويهمهم المشاركة فى صياغة السياسات والقرارات ذات الصلة بها. الحوار المقصود ليس فقط حوارا سياسيا حول القضايا ذات العناوين العريضة العمومية، ولكن أيضا حوارات عدة جزئية وتقنية لكنهامتواصلة، تدخلها أجهزة الدولة التنفيذية مع أصحاب المصلحة وأهل الخبرة والمعرفة، من اتحادات مستثمرين وصناعيين ونقابات ومراكز فكر وأكاديميين ومثقفين وممثلين لمجتمعات محلية، من أجل توسيع نطاق الرؤية، وسد الثغرات المحتملة، ومن أجل خلق شعور بالمشاركة فى ملكية الوطن بكل منجزاته، وبالمسئولية المشتركة عن المساهمة فى مواجهة تحدياته.

ربما نجد فى صيغة الحوار هذه حلا لمعضلة السياسة المصرية التى أخفقت فى تطوير حياة حزبية سليمة وفعالة، رغم أن فيها من مظاهر التعددية السياسية والفكرية ما يجعل المشاركة والتعددية أحد الأسس المهمة للشرعية والاستقرار المستدام. لقد جربنا خلال المائة سنة الأخيرة صيغا سياسية متعددة، تعلمنا منها أن صيغة المغالبة الحزبية تنتهى بالتهلكة، وأن مصادرة المشاركة والتعددية هو طريق ينتهى بتآكل الشرعية وعدم الاستقرار. فهل نجد فى الحوار المنظم المتواصل والمؤسسى ما يجسر الفجوة بين الممكن والمطلوب فى نظامنا السياسى؟.


نقلا عن جريدة الاهرام


رابط دائم:

https://gate.ahram.org.eg/daily/News/851899.aspx

 
 
 

Comments


 انضم إلى قائمة عالم جديد البريدية لتصلك كل المقالات  

شكراً علي الاشتراك

Hebrew Prayer Books_edited.jpg

ترشيحات كتب من محمود

  • RSS
  • Facebook
  • Whatsapp
  • Linkedin
  • Instagram
  • Pinterest
  • Youtube
  • Twitter
  • Spotify

جميع الحقوق محفوظة - محمود ابراهيم ٢٠٢٤ - تطبق الشروط والاحكام 

bottom of page