top of page
Newspapers

الحوار الوطني بدأ بالفعل

Updated: Aug 21, 2022

فى إفطار العائلة المصرية تحدث الرئيس عن أن وقت الإصلاح السياسى قد حان، ودعا لإطلاق حوار سياسى. تلقف المجتمع دعوة الرئيس بحماس، حتى أن الحوار والإصلاح بدءا بالفعل، حتى قبل اكتمال الترتيبات الرسمية لإطلاقهما.



منذ أطلق الرئيس دعوته للإصلاح والحوار انطلقت سلسلة طويلة من اللقاءات والنقاشات بين عديد الأطراف، مصحوبة بتغطية إعلامية مناسبة. على مستوى آخر قامت وسائل الإعلام الرئيسية باستضافة ضيوف كانوا على هامش المجال العام فى السنوات السابقة، وهذا فى حد ذاته خطوة إصلاحية شديدة الأهمية.فتوسيع نطاق المجال العام، وإتاحة الفرصة لرؤى أكثر تنوعا للوصول للمواطنين عبر وسائل الإعلام الرسمية، كل هذه التطورات تمثل إصلاحا سياسيا بامتياز، بما يعنى أن الإصلاح السياسى قد بدأ بالفعل، حتى قبل أن يأخذ شكله الرسمى، وقبل أن يتم وضعه فى إطارات رسمية، قانونية ومؤسسية.

رغم أن الدعوة للحوار والإصلاح لم يتجاوز عمرها الشهر فإنها حققت نجاحات مهمة. توسيع نطاق حرية التعبير هو مكسب مهم، وكذلك توسيع نطاق القضايا المفتوحة للنقاش العام، بحيث أصبحت قضايا تتعلق بالسياسات الاقتصادية والملكية العامة والقطاع الخاص والتخطيط العمرانى وأولويات الإنفاق العام والإعلام والحريات السياسية مفتوحة للنقاش، بما يوسع نطاق البدائل التى يجرى الاختيار بينها، وبما يتيح تكوين توافق وطنى أوسع نطاقا حول السياسات العامة. ليس من الممكن ولا المطلوب أن نتفق على كل شيء، لكن المهم هو أن يتأكد الرأى العام من أن كل الآراء قد تم الاستماع لها بجدية قبل اتخاذ القرار، وأن كل الفرص والمخاطر والاحتمالات قد تمت دراستها بدقة.

هذه بداية قوية وجيدة، فهل هذا هو كل شىء؟ بالتأكيد لا، فمشوار الإصلاح السياسى مازال طويلا.

لاحظ أن الحوار السياسى لم يبدأ بصفة رسمية بعد، فإذا كان هذا القدر المعتبر من الانفتاح قد تحقق فى هذه المرحلة التمهيدية، فالمؤكد هو أن المجال أصبح مفتوحا أمام تحقيق المزيد.

الإصلاح السياسى هو وعد بنظام سياسى أكثر احتوائية، وأكثر تمثيلية، ويتيح قدرا أكبر من المشاركة. النظام السياسى الموعود هو نظام تعددى، تتمتع أطرافه بحقوق كاملة متساوية فى التعبير والوصول للمواطنين والمشاركة فى المؤسسات التمثيلية، وفى المراحل المقبلة من الحوار سيكون على أطرافه الإجابة عن أسئلة جوهرية فى سبيل بناء هذا النظام السياسى.

هناك السؤال التأسيسى المتعلق بحدود المجتمع السياسى، والقوى المكونة له، والتى سوف يكون لها حق التمتع الكامل المتساوى بحقوق التعبير والمشاركة والتمثيل. على أطراف الحوار رسم دائرة تعين حدود المجتمع السياسى، يتمتع كل من يقف داخلها بحقوق سياسية متساوية وكاملة، بينما يتم حرمان القوى الواقفة خارج هذه الحدود من الحقوق السياسية المكفولة لمكونات المجتمع السياسى. من هى هذه القوى المستبعدة؟ هناك الإخوان وكل قوى التطرف والعنف المنبثقة عن الإخوان فكريا وتنظيميا. هذه قوى تخريب وإرهاب، كادت تضيع الوطن، ولولا ثورة الثلاثين من يونيو ما كنا استطعنا إنقاذ الوطن من براثنها. هناك أيضا قوى ثورية تقف على أقصى اليسار، رافعة شعارات الثورة وإسقاط النظام. لا أعتقد أنه من الحكمة أن يمنح النظام الحق فى المشاركة فى مؤسساته لقوى تسعى لتقويض هذه المؤسسات وهدم النظام كله. النظام السياسى الموعود يتيح الفرصة كاملة لمعارضة سياسية إصلاحية، وينكرها على القوى التى ترفع رايات الثورة، حرصا على الوطن، قبل الحرص على النظام.

فى المراحل التالية من الحوار الوطنى سوف يكون على الأطراف المشاركة الإجابة عن سؤال يتعلق بالطريقة التى يمكننا بها إدارة نظامنا السياسى التعددى، وبشكل خاص الطريقة التى تمكن الأطرف المكونة لمجتعمنا السياسى من التعبير والمشاركة بحرية، دون أن تستفيد من ذلك قوى التطرف والإرهاب والقوى الثورية الساعية لتقويض النظام. فى نفس الوقت فإنه سوف يكون على أطراف الحوار الإجابة عن سؤال يتعلق بالطريقة التى يمكن بها حرمان القوى المخربة والمتطرفة من المشاركة، دون الإضرار بفرص التعبير والتمثيل والمشاركة للقوى المكونة لمجتمعنا السياسى من الموالاة والمعارضة الإصلاحية. ما هى طرائق التعبير السياسى المقبول؟ أين ينتهى التعبير السياسى البناء وأين يبدأ التحريض السياسى المدمر؟ هل يمكننا الاتفاق على القواعد والأساليب المقبولة للخطاب السياسى، مثلما يتحدث الأمريكيون عن الخطاب اللائق سياسيا؟

فى المراحل الأكثر رسمية للحوار سوف يكون على أطرافه تطوير صيغ تتيح حوارا وتشاورا متواصلا بين مكونات المجتمع السياسى فى قضايا السياسات العامة المختلفة. البرلمان هو المكان الطبيعى لمناقشة كل قضايا السياسات العامة، ومن الضرورى إتاحة الفرصة للبرلمان لكى يكون منبرا للمناقشة والتدبر وصنع السياسات والتشريعات. غير أنه لا يوجد برلمان فى العالم يستوعب كل مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية، وتبقى هناك دائما مصالح وآراء عدة غير ممثلة فى المؤسسات التشريعية، ولهذا فإنه من الضرورى توسيع نطاق التشاور والحوار فى قضايا الاقتصاد والعمران والصحة والتعليم والضرائب والصناعة والبحث العلمى وكل قضايا السياسات العامة، ليشارك فيها ممثلون لجمعيات المستثمرين والنقابات والمجتمعات المحلية ذات الصلة. المطلوب هو أن تحويل الحوار إلى طريقة فى إدارة الشأن العام، بحيث يكون الحوار المتواصل بين الحكومة وأصحاب المصالح الحقيقيين هو طريقتنا لتعزيز طاقة نظامنا السياسى على دمج واحتواء المصالح المختلفة، وتوظيف الحوار بطريقة تتيح تتجاوز الحدود الضيقة للانتخابات والتنافس الانتخابى، والتى نادرا ما تنجح فى التعبير عن المصالح الحقيقية فى المجتمع بطريقة مناسبة.

 
 
 

Comments


 انضم إلى قائمة عالم جديد البريدية لتصلك كل المقالات  

شكراً علي الاشتراك

Hebrew Prayer Books_edited.jpg

ترشيحات كتب من محمود

  • RSS
  • Facebook
  • Whatsapp
  • Linkedin
  • Instagram
  • Pinterest
  • Youtube
  • Twitter
  • Spotify

جميع الحقوق محفوظة - محمود ابراهيم ٢٠٢٤ - تطبق الشروط والاحكام 

bottom of page