top of page
Newspapers

مصر والسيسي والطريق الي الحوار الوطني (١)

أعتقد أن دعوة الرئيس السيسي للحوار السياسي في افطار الاسرة المصرية طغت علي السياق الذي جاءت فيه وبدا الحديث او التفاوض حول شروط الحوار وضماناته أهم من أهداف الحوار التي قالها الداعي.

وبدت المعارضة السياسية المصرية لا ترى الا ما تريد أن يخدم أجندتها الضيقة.

مناسبة هذا الكلام مرور عام على الدعوة ومع بداية جلسات الحوار فأنني أدعي أن النخبة السياسية ومعارضيها قبل مؤيديها لم تدرك طبيعة الدعوة ولا سياقها ولا أهداف الداعي منها.

بل واقول انها لم تدرك حجم المكاسب التي يمكن أن تحققها من هذا الحوار.

صاحب الدعوة

قدم الرئيس السيسي قبل الدعوة ما يشبه بيان الحالة فيه العديد من الحقائق.

قرأت المعارضة المصرية وأعداء الدولة هذه الحقائق في إطار التمهيد لسقوط النظام أو البحث عن تجميل الوجه بسبب الأزمة الاقتصادية - وبعد التعويم الثاني للجنيه- وتصاعد أزمة سد النهضة.

يقر الرئيس أن الدولة انتصرت في حربها علي الارهاب وانها حققت تقدم وتستعد للجمهورية الجديدة وأن هذه الجمهورية يجب أن تكون دولة طبيعية، ويجب أن تشمل كل عناصر الجماعة الوطنية.

وهناك عدة حقائق وملاحظات جديرة بالتذكرة قبل تناول مسألة الحوار :

١- مصر هي البلد الوحيد في العالم - ومعها أنظمة الخليج- الذي لا ينتمي فيه الرئيس أو رئيس الحكومة لأي أحزاب أو ائتلافات حزبية ولا يوجد بها حزب حاكم. حزب الاكثرية لا يشكل الحكومة وليس سوي ظهير تصويتي للحكومة في البرلمان.

٢- الرئيس السيسي قال في الإفطار نفسه:

” اوعوا تتصوروا ان انتم ولتوني مسئولية اني انا رئيس جاي عايز امسك الكرسي وفيه… لأ ده كلام مبيتغيرش ومش هيتغير الكلام ده اللي بقول عليه لحضراتكم ده أمر لن يتغير.......انا موجود من اجل إنفاذ إرادتكم طول ما ارادتكم موجودة انا احترمها واقدرها واتوافق معاها .....كان لابد اننا نتكلم في النقطة دي في المقدمة دي علشان نقول ......يا تري ليه …. بقت بلدنا النهاردة في ظل ازمات اخري ......النقطة دي لكل الحاضرين اللي معايا واللي مش معايا .......اللي بيتوافق معايا واللي مش بيتوافق معايا ......انا مش هنا وانتوا هنا ........يا انا معاكوا يا انتوا معايا احنا مش اثنين ..احنا واحد الكلام ده احنا قولناه في البداية خالص لما طلبت للترشح للمسئولية دي ....قولت الموضوع الموجود في مصر كبير اوي .....كبير علي اي رئيس وكبير علي أي حكومة .....لكن مش كبير علي المصريين“

إذا كنت من معارضي النظام وأعدائه فإنك في الأغلب لم تلتفت لدلالة هذا الكلام وهو ما سنشرح حينما نتحدث عن الجماعة الوطنية.

ولكن الدلالة الأهم هي أن السيسي يرى نفسه رجل جاء في لحظة ضرورة وقدر وضعه في موضع المسئولية ”أمام الله والوطن“

قدم الرئيس ما يعتبره بيان حقائق للناس وتباري خصومه وأعداء الدولة في الحديث على محاولة يائسة منه النظام لإنقاذ نفسه قبل سقوطه وتعالت الأصوات التي لا تري الا ان هذا النظام قارب على السقوط بل وزاد الرهان السياسي على السقوط فزاد الضغط على الدولة.

مر عام …ولم يسقط النظام ..

وتلك عادة الحديث في مصر تضيع الحقائق وسط البحث عن اشارات قرب سقوط النظام وضعفه.

٣- تناست هذه الأصوات انه حينما ظهر عبد الفتاح السيسي كوزير للدفاع في عهد الإخوان دعي في في ديسمبر ٢٠١٢ وفي لحظة تأسيس دستور الإخوان كان السيسي هو الذي دعي إلى غداء لم الشمل ودعي فيه وفقا لبيان القوات المسلحة كل ورفضته جماعة الاخوان.

سياق آخر حدث في مايو ٢٠١٣ قال السيسي داعيا القوى السياسية إلى التفاهم و"عدم اللعب مع الجيش لأنه ليس طرفا"، على حد قوله، وقال" لابد من وجود صيغة للتفاهم فيما بينكم، فهذا الجيش نار، لا تلعبوا به ولا تلعبوا معه".

وحذر السيسي من أن "البديل في منتهى الخطورة ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش ينزل الشارع.. لو حدث ذلك لن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة للأمام“.

ونزل الجيش الشارع ونسي الناس هذا الكلام

بل نسي الناس والسياسيون أن السيسي رجل يؤمن بالتوافق والحوار داخل إطار الدولة وأن هذه الدعوات ليست فقط ابنة وقتها ولكنها تعبر عن منهج رجل يتعلم من تجارب التاريخ عكس ما يروج خصومه عنه.

هل تأخرت الدعوة ؟

في رأيي انها تأخرت عامين لأسباب متعددة منها جائحة كورونا وقبلها دعوات التحريض علي التظاهر التي دعي لها المقاول الهارب.

السنوات الأربع الماضية كانت عبارة عن فترة تثبيت الدولة المصرية وتقوية مؤسساتها وإقامة بنية أساسية قوية”.وأضاف السيسي “الإجراءات الاقتصادية اللي اتعملت كانت جزءا من تثبيت الدولة. أنا عايز أقول لكم إن كلنا بنعاني لكن هذه المعاناة لا تساوي شيئا جنب ضياع الدولة وانهيارها”.

كانت هذه هي الدعوة وصاحبها

فماذا عن الجماعة الوطنية / الأسرة المصرية المدعوة؟

 

مؤسسات الحكم والجماعة الوطنية

يبدو تعريف الجماعة الوطنية مسألة صعبة ولا يصلح معها مقال واحد، ولكن يمكن القول أن الجماعة الوطنية المصرية قبل عام ١٩١٩ كما يصفها المستشار والمفكر الاسلامي طارق البشري بدأت مع عهد محمد علي عبر تمصير الوظائف المدنية بالتجنيد الإجباري للمصريين فيقول :

”نمت الجماعة الوطنية المصرية انسلاخاً من الخلافة العثمانية وبدأ نموها بدخول الجند المصريين في جيش محمد علي وصياغة جهاز الدولة وفقا لهذا الوضع واتخذ نموها صورة حركة تمصير للقاعدة لهذا الجهاز وبهذا فأن التمصير سبق الفكر القومي كمفهوم للجامع السياسي المصري … ويفسر ذلك أن عملية التمصير كانت تجري انسلاخاً من مفهوم الجماعة الدينية التي تمثله الخلافة العثمانية.“
”فلما بدأ العنصر المصري بطرق أبواب الوظائف القيادية الدنيا في الجيش، كترقيتهم إلى رتب الملازمين واليوزباشيين، انعكس ذلك أيضاً في الوظائف المدنية وبين تلاميذ المدارس فدخلوا مدرسة القصر العيني وزادوا في مدرسة السواري وغيرها، كما تولوا وظائف المأمير“
ويذكر كلوت بك ”إن جميع المأمير من المصريين الوطنيين والسبب الذي دعا سمو الوالي الي ان يعهد اليهم هذه الوظيفة اعتقاده بدرايتهم بأحوال البلاد وخبرتهم الواقعية بزراعتها وانهم اقدر من غيرهم علي الالمام بمراكز مواطنيهم واحتياجاتهم ومواردهم“

على هذا النحو تكون جهاز الدولة في عهد محمد علي بوظيفتيه العسكرية والمدنية.

بعد ذلك كان هناك محاولات تمثيل نيابي ثم ومنذ حادثة دنشواي تنامي الشعور الوطني إلى أن ظهرت الجماعة الوطنية في مشهد ثورة ١٩١٩.

ولا شك أن ثورة ١٩١٩ كانت هي أكبر تجمع للجماعة الوطنية المصرية ربما في تاريخها وبمكونات وطنية واضحة

وحتى حركة ١٩٥٢ لا يمكن وصفها بأنها تحرك للجماعة الوطنية لقد كانت تحرك لبعض من الضباط لها وجهة نظر ولم تكن الجماعة الوطنية نفسها حاضرة أو مدعوة.

وربما لم تنتفض وتخرج مصر كجماعة وطنية منذ ثورة ١٩١٩ حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

مرت مصر بأحداث وانتصارات عسكرية وكروية وهزائم وثورات بما فيها أحداث ٢٥ يناير وكلها أحداث سياسية أو حتى كروية لها أهداف وخلفيات ودوافع وطنية تواجه خطر أو تحقق مطالب او تفرح بانتصار كروي، وحتى انتصار أكتوبر وهو أعظم لحظات المصريين في العصر الحديث كانت الجماعة الوطنية خلف جيشها وعلى قلبه ولكنها لم تخرج بنفسها.

لم تكن ٣٠ يونيو مجرد انتفاضة او ثورة للجماعة الوطنية ضد جماعة الاخوان والتهديد الذي تمثله، او ثورة مضادة كما يريد أبناء يناير المخلصين لها تصويرها، كانت في قلبها استدعاء للجماعة الوطنية لخطر يواجه الدولة.

باستبعاد من يري هذا الخطر كان منتخب ديمقراطياً وتعطيه شرعية زائفة فإن مكونات الجماعة الوطنية شعرت بالخطر وأعتقد أن مصر لم تري في تاريخها نزول المصريين للشارع ليس فقط في الميادين ولكن بالكنب أمام منازلهم كتعبير واشارة مهمة وواضحة ان هناك استدعاء للجماعة الوطنية المصرية لم يحدث في تاريخ مصر ولا اتصور انها مرشحة للتكرار في الزمن القريب او حتي البعيد.

وعلي هذا الاساس فان هناك عدة حقائق لابد من ذكرها وتوضيحها:

الحقيقة الأولى:

إن نظام الحكم في مصر ومؤسسات الحكم والنظام السياسي في مصر في أصله وتأسيسه قام على الجماعة الوطنية ولكن هذه الجماعة ليست وليدة صراع طبقي أو مالكة وسائل إنتاج أو تمثل دافعي الضرائب كما حدث في إنجلترا أو حتى صراع مع المؤسسة الدينية كما حدث في الحالة الفرنسية، او حتي الحرب الاهلية لتوحيد ولايات مختلفة كما حدث في الولايات المتحدة

بل هو نظام في جوهره بيروقراطي يقوم على مؤسسات وجهاز الدولة الذي احتاج إلى ”تمصير“

تاريخياً كانت حركة عرابي هي تحرك للمكون العسكري من أجل أسباب تخص عملية الترقية داخل الجيش ثم تحولت بشكل اخر الى مظهر للاعتراض على نظام الحكم ولكنها فشلت لغياب المكون المدني.

وباستثناء لحظة ١٩١٩ وحزب الوفد القديم لم يكن في مصر أي حزب تأسس خارج السلطة أو بدون موافقتها ولا يوجد أي حزب يستطيع ان يدعي انه يمثل طبقة اجتماعية او فئة او دافعي الضرائب أو يمثل الجماعة الوطنية.

الحقيقة الثانية:

إن مصر دولة تحكمها المؤسسات العسكرية والمدنية ليس لأنها تحتكر السلاح كما يدعي البعض ولكن لانها اصل النظام السياسي كما سبق أن أوضحنا.

أي تغيير للنظام السياسي يجب ان يأتي من داخل المؤسسات وبارادتها ولا اقول بمنحة منها.

ولا يوجد اي فرد او جماعة تستطيع أن تدعي انها تمثل مصالح غالبية المصريين او انها تملك الحلول والطريق للمستقبل.

كلهم لديهم مطالب ويلجأون لمؤسسات الدولة لتحقيقها.

قد تري هذه المؤسسات تحتاج إلى إعادة تعريف دورها أو تطوير نفسها او اصلاح ولكن هذا مرهون بشروط أخرى سنتحدث عنها لاحقاً

الحقيقة الثالثة:

اإن المعارضة المصرية الحالية تبدو تائهة وحائرة وهي تستلهم تجارب الغرب في التحول الديمقراطي وتتحدث بشعارات عن حكم العسكر ودولة الضباط واقتصاد الجيش.

هذا الخطاب يجعلها منفصلة ليس فقط عن الواقع ولكن حقائق النظام السياسي وتركيبه ومكوناته والفاعلين فيه، فتقدم حل سهل ومعلب فليخرج الجيش من الحياة السياسية والاقتصادية ويدافع عن الحدود ويعطي السلطة للمدنين - أي مدنيين- وهم سيقومون بالمهمة وكأن عجلة التاريخ والتطور تسير بقرار او بالنقل من التجارب الغير مشابهة.

ليس هذا فقط ولكني ادعي كذلك ان هذه النخب تصرفت بعدم وعي في قضايا الأمن القومي المصيرية على النحو التالي

القضية الأولى : سد النهضة

كان توجه الدولة المصرية قبل ٢٠١١ والذي تنفذه مؤسساتها وبقيادة الرئيس مبارك هو عدم السماح لإثيوبيا ببناء السد، قامت هذه السياسة على عدم اعطاء اي شرعية لعملية البناء وتقويض أي تمويل محتمل عبر الضغط على الجهات الممولة المحتملة، كل هذا دون صدام واضح مع إثيوبيا، وظلت هذه السياسة ناجحة ولم تستطع اثيوبيا ابداً في اي مرحلة توفير التمويل او الحصول علي شرعية بناء السد من الاساس.

وجاءت اللحظة التي ذهب فيها مبارك وذهبت المعارضة المصرية إلى إثيوبيا بحجة عدم إهمال افريقيا واقرت في مشهد عبثي حق وشرعية البناء.

تخيل معي - على سبيل القياس فقط- ان هذه النخبة ذهبت إلى إسرائيل ورفعت يدها مع يد نتنياهو تقر أن بناء المستوطنات والجدار العازل هو حق لاسرائيل وأن مبارك كان رجل يعادي حق المواطن الإسرائيلي في الأمن والتنمية.

هذا بالضبط ما حدث في مسألة سد النهضة.

زد على ذلك الاجتماع الشهير الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي بحضور سياسيين مصريين بارزين، وبغض النظر عن مسألة إذاعته من عدمها، لقد بدا أن هذه النخبة وحديثها وطريقتها وافكارها ساذجة وغير مسئولة وغير مؤتمنة على الأمن القومي.

وأؤكد على مسألة غير مسئولة لأنها أساس الحديث.

هذه النخب في قضية سد النهضة وبدون أي تدخل من أجهزة أمنية و باختيار حر كامل وواعي أثبتت أنها في أحسن الأحوال ليست علي قدر المسئولية الوطنية

بل وحينما تواجههم بهذه الحقائق ترد بأن السيسي هو من أضاع حق مصر في المياه وهو هروب من المسئولية واضح وصريح لا لبس فيه في قضية أمن قومي مصري.

ليس هذا فقط، بل يصر بعض معارضي الرئيس واعداء مصر علي انه هو السبب وكأن الازمات والقرارات الخاطئة تسقط بالتقادم وترحل برحيل نظام او غياب رأسه، وهذه ايضا اما سذاجة لا تليق بمن يتصدي للعمل العام والسياسي واما سوء نية اتجاه قضايا الامن القومي يرتقي الي جريمة الخيانة العظمي.

واستكمالاً لنفس المسار من عدم المسئولية فأن هناك مزايدات ومحاولات لإظهار موقف الرئيس ضعيف بل ومطالبات بعمليات عسكرية وكأن قضايا الأمن القومي كلها تحل فقط بالحلول العسكرية.

فإن لم يكن هذا هو تعريف انعدام المسئولية الوطنية والسياسية والجهل والسطحية والعبث بمقدرات الوطن فما هو التعريف ؟

القضية الثانية : الجماعات المسلحة

لمصر سياسة واضحة وهي عدم الاعتراف بأي كيانات مسلحة خارج الدولة الوطنية أي ما كان نبل الشعارات التي ترفعها.

قبل ٢٠١١ كانت الأمور تبدو إلى حد بعيد أبسط، فكان الجماعات المسلحة في المنطقة اغلبها يرفع شعار معاداة اسرائيل وتحرير الأرض وكانت منظمة التحرير الفلسطينية وحزب الله هما الأبرز في هذا السياق ولا شك أن في مراحل من الصراع العربي الإسرائيلي كانت لهذه المنظمات قبول شعبي حتى لو اختلف الموقف الرسمي.

مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ظهر حزب الله بشكل واضح كذراع إيران وسوريا داخل لبنان وسعي ليس فقط لتقويض القرار اللبناني وجر لبنان الي حرب مع اسرائيل في ٢٠٠٦ ولكن لتقويض القرار العربي والتحريض ضد الانظمة الحاكمة فيه.

وتحت شعار مقاومة إسرائيل تماهت النخب المصرية السياسية مع خطاب السيد نصر الله واتحدت مع جماعة الإخوان ضد الدولة المصرية وفي صالح جماعة حماس المسلحة وحرب غزة التي كانت في الأساس تقويض واحراج للدولة، وبدأت النخب المصرية في إعطاء شرعية سياسية لأعداء الدولة المصرية.

سيقول البعض ان الدولة نفسها تتعامل مع حماس، وهذه اما سذاجة او جهل او نوع من المتاجرة بقضايا الأمن القومي، فحماس أمر واقع تسيطر على المعابر الحدودية منذ ٢٠٠٧ ومصر تتعامل معها كأمر واقع ولكنها لا تعترف سوى بالسلطة الفلسطينية - كباقي العالم - ولكن السياسيين المصريين حتى داخل البرلمان دافعوا عن حماس باسم الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقوضوا الدولة المصرية بسذاجة ايضا.

ونفس هذه النخبة السياسية التي سخرت ورفضت محاكمة الإخوان فيما عرف بقضية ”ميليشيات الأزهر“ واعتبرت مسلسل الجماعة الذي يفضح هذه الممارسة هو تجني علي الاخوان وانهم ”فصيل وطني“ ولم تقم هذه النخب السياسية بدورها بل كانت علي استعداد لاي شئ مقابل اسقاط النظام.

وبعد ذلك وخلال يناير ووفقا لما هو ثابت بالشهادات والأوراق والأحكام والأسماء والوقائع بدخول مسلحين من حركتي حماس وحزب الله إلى مصر خلال الأحداث السياسية في يناير وقيامهم بأعمال عنف داخل مصر.

لكن السياسيين المصريين يرفضون الإقرار بحدوث هذا كحقيقة، وإذا اقروه فأنهم يتناسون المسئولية الوطنية في رفضه ويبحثون عن الجيش المصري لتحميله المسؤولية السياسية في إطار صراع السلطة الذي يخدم جماعة الإخوان ضد الجماعة الوطنية.

وتعقدت الأمور بظهور جماعات مسلحة في ليبيا وسوريا ضد عنف الدولة وجيشها، أتفهم أن ترفض موقف الجيش السوري او الليبي في قمع التظاهرات، ولكن تبرير العنف للجماعات المسلحة في مواجهة الجيوش الوطنية هو إعطاء شرعية ومبرر أخلاقي وسياسي للإرهاب وهو نفس المبررات الموجودة للتعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية رغم ثبوت اضطلاعها واشتراكها في عنف منظم ضد الدولة والجيش والمواطنين.

قضية أخرى تظهر عدم مسئولية هذه النخب عن مقدرات الوطن.

ليس هدفي من هذا السرد هو تسجيل النقاط فأنا لست في خصومة أو منافسة سياسية مع أحد ولكني اتصور حتى يصبح الحوار جاد فأن مراجعة النفس والمواقف بهدوء وبدون تشنج هو من صميم المصلحة الوطنية التي يجب ان تنظر لها المعارضة داخل الجماعة الوطنية، بل وأزيد وأقول إن هذا هو جزء من شرعية وجودها داخل هذه الجماعة.

ليس معنى هذا أن يتحول الحوار إلى أخطاء الماضي، ولكن ان يراكم في خبرات وان لا يتحول إلى إعادة إنتاج الفشل او إنتاج لمصالح ضيقة تبعد الناس عن السياسة أكثر وتبعدنا عن الإصلاح السياسي الحقيقي

ولكن يبقى تساؤل لابد من الاجابة عنه في الطريق للحوار الوطني

هل هناك خلاف في أروقة السلطة ؟

بناء على القراءة السابقة للمشهد السياسي وهذه المعطيات فأن يبدو هناك وجهتين نظر داخل اروقة الدولة المصرية - وليس صراع أجهزة كما يروج أعدائها- تري إحدى وجهات النظر أن هذه هي الجماعة الوطنية ونخبتها السياسية بحلوها ومرها واخطائها بل وخطاياها كما إنها نخبة وطنية حتى وإن كانت أقل كفاءة وبصيرة ومسئولية، وانها يجب ان تشارك في البناء وفي الحياة السياسية وأن هذا البناء لحياة سياسية وتنمية المؤسسات الحزبية والسياسية هو المرحلة التي تأتي بعد الاستقرار الامني وعودة مؤسسات الدولة للعمل دون تحديات وجودية تعصف بها مثل الإرهاب او عدم الاستقرار الاقليمي، وان التعامل مع النخب السياسية المعارضة واحتوائها هو السبيل لتعزيز الاستقرار والتطور السياسي وهي تأمل في أن إقرار هذه النخبة السياسية بالواقع السياسي واندماجها فيه هو الافضل من أن يتلقفها خصوم الدولة والنظام، وان لكل تطور بداية وان الحوار الوطني هو البداية للوقوف على ارضية مشتركة وان تتحمل الدولة ومؤسساتها ثمن هذا التطور.

ولهذا ظهر مشهد يبدو متناقض بحضور بعض الاشخاص المتهمون في قضايا سياسية متنوعة أو ممنوعون من السفر حاضرين في الحوار الوطني، وهو ما أثار حيرة المراقبون كيف لدولة تتهم البعض بقضايا سياسية وتمنعه من السفر أن يكون مدعو للحوار معها، فأن لم يكن هذا صراع أجهزة فأنها ستنهار قريبا وان هذه محاولات يائسة لنظام يعاني من الازمة الاقتصادية وفي لحظاته الاخيرة بل ويتحدث البعض ان هذا النظام سيسقط قبل انتخابات ٢٠٢٤.

دائماً كل الطرق ستؤدي الى انهيار الدولة وهو ما يعزز قوة وجهة النظر الأخرى.

وجهة النظر الأخرى داخل الدولة التي ترى أنها لا تحتاج للسياسة فيما يمكنها الحصول عليه بغيرها، وأن هذه النخبة السياسية والاعلامية ”تنشر الأخبار الكاذبة“ وانها سيئة النية وعدوة للنظام والدول والشعب.

كذلك ليس منهم أي أمل سواء في بالمساهمة في تحسين الأوضاع أو في بناء مستقبل أفضل أو تقوية اي مؤسسات حزبية او سياسية وخصوصا وهم لم يقدموا اي بوادر نحو الاقرار بالاخطاء بل سعي دؤوب لتكرارها، وترى هذه النخبة السياسية ان الازمة الاقتصادية هي فرصة للعودة كالأيام الخوالي سواء كان ذلك تصريحاً او تلميحاً بل يبدو ان هناك رهان في بعض اروقة المعارضة - تعرفه هذه الاجنحة - بان المشاركة في الحوار ليست إلا تكتيك في استراتيجية أكبر لتوسيع المساحات السياسية ليس من اجل مستقبل افضل ولكن من اجل ثورة ستأتي كما أتت يناير.وأن أي مساحة تكسبها المعارضة هي خطوة لإسقاط النظام ولا تريد هذه الاجنحة ان تسمح للمعارضة او تتساهل مع اي مساحة للخطأ أو تهديد أمن واستقرار الوطن (يقول أعداء الدولة وبعض من خصومها ان هذه الاجهزة تخشى من تكرار يناير وليس انهم هم من يسعون لتكرار يناير بأي ثمن إذا أتيحت لهم الفرصة)

مع استقرار الأوضاع الامنية وتغير خريطة الداعمين للجماعة الإرهابية وخسارتها مساحة كبيرة في الداخل والخارج يبدو ان وجهة النظر الأولى وجدت مساحة للتطبيق العملي وبدأت جلسات الحوار الوطني.

هل ستتصرف النخبة بمسئولية تجاه الوطن والدولة ومقدراته؟ وكيف وصلت هي الي الحوار الوطني؟

للحديث بقية

 انضم إلى قائمة عالم جديد البريدية لتصلك كل المقالات  

شكراً علي الاشتراك

Hebrew Prayer Books_edited.jpg

ترشيحات كتب من محمود

bottom of page